بقلم مها الزوين
رئيسة تحرير مجلة زوين
لم تعد السجادة الحمراء في مهرجان البحر الأحمر مساحة عابرة لمرور الفساتين، ولا منصة لالتقاط صور تُستهلك سريعًا على وسائل التواصل الاجتماعي. في نسخته الأخيرة، بدا المشهد أوضح من أي وقت مضى: نحن أمام لحظة ثقافية تتجاوز الأناقة بوصفها مظهرًا، لتطرح سؤالًا أعمق حول الهوية، والحضور، وكيف تختار المملكة أن تُرى في سياق عالمي متغير.
خلال أيام المهرجان، لم يكن لافتًا عدد الإطلالات بقدر ما كان لافتًا وعيها. وعي بالمكان، باللحظة، وبأن السجادة الحمراء لم تعد هامشًا موازيًا للحدث، بل جزءًا من خطابه الثقافي العام. هنا، لم تُستخدم الموضة كزينة إضافية، بل كأداة تعبير صامتة — دقيقة، محسوبة، وتحمل دلالات تتجاوز القماش والقصّة.
السجادة الحمراء كمنصة فكرية؛
ما ميّز هذا العام، هو تحوّل السجادة الحمراء إلى مساحة تُناقش فيها الأسئلة بدل أن تُعرض فيها الإجابات الجاهزة. الأسئلة التي لم تُطرح صراحة، لكنها كانت حاضرة في التفاصيل:
كيف نُعرّف الجمال اليوم؟
ما موقع المصمم المحلي في مشهد دولي؟
وأي لغة بصرية نختار حين نخاطب العالم دون أن نفقد خصوصيتنا؟
الإطلالات السعودية تحديدًا حملت هذا الوعي بهدوء لافت. لم تسعَ إلى لفت الانتباه بالقوة، ولم تحاول إثبات حضورها عبر المبالغة. على العكس، جاءت الكثير من الاختيارات قائمة على توازن دقيق بين الوضوح والاحتشام، بين المعاصرة والجذور، وبين الرغبة في التعبير واحترام السياق.
حين تصبح الموضة موقفًا؛
اللافت أيضًا، أن عددًا من العلامات العالمية التي حضرت السجادة الحمراء، بدت وكأنها تعيد التفكير في دورها داخل هذا المشهد. لم يكن الحضور مجرد عرض لفساتين أو أسماء كبيرة، بل محاولة للانسجام مع مكان له ذاكرة، ونبرة، وطموح ثقافي واضح. وهنا، لم تعد العلامة هي من تفرض خطابها، بل أصبحت جزءًا من حوار أوسع يُعاد تشكيله في جدة.
في هذا السياق، لم تعد الموضة سؤال “من ارتدى ماذا؟”، بل تحولت إلى سؤال “ماذا تقول هذه الإطلالة عن اللحظة التي تنتمي إليها؟”. سؤال لا تُجاب عنه بالألوان وحدها، بل بالنية، وبالوعي، وبالقدرة على قراءة المشهد قبل الدخول إليه.
ما الذي تغيّر؟
التحوّل الأهم الذي كشفه مهرجان البحر الأحمر هذا العام، هو انتقال السجادة الحمراء من مساحة استهلاك بصري إلى مساحة قراءة. قراءة لمشهد سعودي يعيد تعريف نفسه بثقة، دون استعجال، ودون ضجيج. حضور لا يسعى إلى المقارنة، بل إلى التمركز. لا يقول “نحن هنا”، بل يقول “نحن نعرف لماذا نحن هنا”.
وهذا ما يجعل هذه اللحظة مختلفة. لأن الأناقة، حين تُمارس بهذا الوعي، تصبح جزءًا من السرد الثقافي، لا مجرد تفصيل جانبي فيه.
الخلاصة؛
بعد انتهاء العروض، وبقاء الصور، يبقى المعنى هو الأكثر أهمية. ومهرجان البحر الأحمر، في هذه النسخة، لم يتركنا أمام ذاكرة بصرية فقط، بل أمام سؤال مفتوح:
كيف يمكن للموضة أن تكون جزءًا من مشروع ثقافي؟
الجواب لم يكن في فستان واحد، ولا في اسم واحد، بل في المشهد ككل — حين اختارت السجادة الحمراء أن تكون مساحة تفكير، لا مجرد استعراض.









