مساواة بلا مسؤولية… حين ترفُض بعض النساء دفع ثمن العدالة التي يطلبنها

لسنا أقل من الرجل، لكننا أحيانًا أقل صدقًا في فهم المساواة.

في كل حقبة، تُولد موجة جديدة من “التحرّر الأنثوي”.

جيلٌ يثور على القيود القديمة، ويطالب بالاعتراف، ويقول للعالم: “أنا أستحقّ”.

لكن الغريب أن كثيرًا من هذه الأصوات، وهي ترفع شعار المساواة، تنسى أن العدالة لا تُمنح بنصفها المريح. نعم، المساواة جميلة… لكنها لا تأتي دون مسؤولية، ودون مشاركة حقيقية في ما كان الرجل يتحمّله وحده لقرون. في المجتمعات العربية الحديثة، نرى نساءً يطالبن بالندية في الحقوق، لكن حين تصل المسألة إلى المشاركة المادية أو تحمّل أعباء الأسرة، يتحوّل الخطاب فجأة إلى نغمة مختلفة:

“أنا أنثى، والرجل عليه أن يتكفّل.”

هنا، تكمن المعضلة.

هل نريد العدالة فعلًا، أم نريد امتيازات جديدة باسم العدالة؟

 المساواة التي لا تكلّف شيئًا… ليست وعيًا.

المساواة ليست شعارًا على ورق، بل منظومة قيم وسلوك. حين نطالب بأن نُعامل كندٍّ في القرار، علينا أن نكون أندادًا أيضًا في الجهد والعطاء. الاستقلال لا يكون بقول “أنا أعمل” فقط، بل بأن أكون قادرة على دعم نفسي، وأسرتي، وشريكي إن لزم الأمر.

في دراسة أجرتها جامعة لندن عام 2024 حول العلاقات المتكافئة ماليًا،

أظهرت النتائج أن الأزواج الذين يتقاسمون الأعباء المادية يعيشون استقرارًا نفسيًا أكبر بنسبة 47% من الأزواج ذوي الأدوار التقليدية.

ليس لأن المال يشتري السلام، بل لأن الشعور بالعدالة يخلق طمأنينة داخلية لا يوفّرها أي امتياز خارجي. ومع ذلك، لا تزال كثير من النساء، حتى المتعلمات والمستقلات، يرفضن فكرة “المشاركة المالية” بحجة أن الرجل هو المسؤول الطبيعي. لكن الحقيقة أن هذه الفكرة لم تعد “رومانسية” كما كانت… بل غير عادلة. كيف يمكن أن نطالب بالمساواة في الحرية، ونرفض المساواة في الالتزام؟

 حين تتحوّل الأنثى المستقلة إلى نسخة جديدة من الامتياز.

إن الوعي النسوي لا يُقاس بعدد الشعارات، بل بقدرتنا على مراجعة أنفسنا. أنثى تقول إنها ترفض “الاعتماد الكامل”، لكنها لا تتقبّل فكرة أن تدعم شريكها إذا مرّ بضائقة،

أنثى ترى الإنفاق الذكوري واجبًا، لكنها ترى دعمها “تفضُّلًا”. هذا ليس وعيًا… هذا شكل جديد من الامتياز المغلّف بالخطاب العصري. المساواة التي لا تقبل الكلفة ليست مساواة، بل رفاهية فكرية تُمارس من مقعد مريح. العدالة لا تتحقق بأن نأخذ نصف الأدوار، بل بأن نفهم تمامًا أن الشراكة لا تكتمل دون أن يتقاسم الطرفان الضوء والظل معًا.

 الرداء الأحمر يتحدث:

“أن تكوني مساوية للرجل لا يعني أن تتحدّيه، بل أن تتحمّلي معه.”

الأنوثة لا تتنافى مع القوة، لكن القوة التي لا تعرف معنى المسؤولية تتحوّل إلى ضجيج. حين تطالبين بالاحترام، تذكّري أن أول ما يُحترم هو الوعي. أن تكوني حرة لا يعني أن تكوني في صراع، بل أن تكوني في انسجام مع فكرة العدالة نفسها. الرجل ليس دائمًا خصمًا، كما أن المرأة ليست دائمًا ضحية. كلاهما في معركة واحدة ضد الجهل والأنانية. والمجتمع لا يحتاج لنساء “يطالبن” بالمساواة فقط، بل لنساء يفهمن المساواة ويعشنها… حتى في الأوقات التي لا تُريحهن.

بقلم صاحبة الرداء الأحمر

“حين تتحدث الروح… ويصمت الجمال.”

شارك المقال
Scroll to Top