بين الهوس بالترندات وفقدان الوعي الجماعي، كيف صارت لعبة واحدة تختصر زمنًا كاملًا من الزيف والجمال المصنوع؟
لم تكن “لا بوبو” مجرّد لعبة. كانت صرخة.
دمية وُلدت من رحم الفوضى الرقمية، لتجلس على أرفف العالم وكأنها مرآة صامتة لأنوثةٍ أرهقها التجميل، وطفولةٍ تاهت بين فلاتر الانستغرام وتوقعات الكمال.
تلك الدمية التي أشعلت الجدل لم تكن غريبة بقدر ما كانت مألوفة حدّ الألم.
ملامحها الباردة تشبه وجوه كثيرات خضعن لعمليات ناعمة وفلترات قاسية، وكلّهن يبتسمن الابتسامة ذاتها — ابتسامة “أنا بخير” المزيفة التي يفرضها العصر.
دراسات علم النفس الجمالي تشير إلى أن الإنسان حين يُفرط في تزيين الواقع، يبدأ بفقدان قدرته على الإحساس بالجمال الحقيقي.
“اللا بوبو” لم تكن مشروع فنٍّ عبثي، بل دراسة بصرية في حدود الإنسان المعاصر:
إلى أي مدى يمكن أن نصنع صورة مثالية حتى نصبح غرباء عن أنفسنا؟
حين يقودنا التريند إلى الهاوية.
المشكلة لم تكن في اللعبة نفسها بقدر ما كانت في الناس الذين هرعوا لشرائها،
يُقلّدون، يُشاركون، يُجرّبون، دون أن يسألوا: لماذا؟
تحوّل الخوف إلى موضة، والجنون إلى محتوى، وكل شيء إلى “ترند”.
صار الناس يتبعون ما يُرعبهم كأنهم منوّمين جماعيًا،
ينشرون الرعب تحت شعار “الفضول”، ويغذّون الخوارزميات بأكثر ما يدمّرهم.
وهكذا يصبح الإنسان مشاركًا في هدم وعيه بيده، وهو يضحك أمام الكاميرا.
ما لا يعرفه كثيرون أن مثل هذه الرموز ليست بريئة،
وأن وراء “الدمية الجميلة” رسائل نفسية خفية، وأحيانًا رموز مظلمة لا يراها إلا من قرأها بوعي.
دراسات علم السلوك الرقمي تبيّن أن التكرار البصري للأشياء المرعبة
يُضعف حسّ الأمان لدى الدماغ، ويخلق اضطرابات في النوم والتفكير خصوصًا لدى الأطفال.
لكن الأسوأ من ذلك أن “اللا بوبو” صُمّمت لتبدو فاتنة ومخيفة في الوقت نفسه،
فتغرس في وعي الجيل الجديد فكرة خطيرة: أن الجمال يمكن أن يكون شيطانيًّا،
وأن الخطر يمكن أن يكون مثيرًا.
الفتنة حين تُغلف بالترفيه.
ليست هذه أول مرة يُخترع فيها “ترند” غريب لقياس نبض المجتمع،
لكن ما حدث مع “لا بوبو” أثبت أن الناس صاروا يركضون خلف الصدى لا الصوت،
وخلف الخوف لا المعنى.
كل شيء أصبح تجربة، وكل شيء يُبرّر باسم “الفضول” و“المحتوى”.
والمؤلم أكثر أن الأطفال صاروا يرون هذه اللعبة كرمز “قوي” أو “مختلف”،
بينما هي في جوهرها تزرع فيهم تقبّل القبح، والتطبيع مع الرعب،
وتدمّر قدرتهم على التمييز بين الجميل والمشوَّه.
إنها ليست مجرّد دمية… إنها فكرة، والفكرة حين تُزرع في جيلٍ صغير،
تتحوّل إلى مستقبلٍ غريب الملامح.
الأنوثة لا تُصنع… والروح لا تُقلَّد.
الفن الحقيقي يُنقذنا من الجنون، لا يبرّره.
والأنوثة ليست مزيجًا من البلاستيك والفلتر،
بل حضورًا داخليًا لا يُقلَّد ولا يُباع.
ولأن صاحبة الرداء الأحمر لا تخاف من الحقيقة،
تقولها كما هي:
“ليست كل الدمى للعب، وبعض الألعاب تُلعب بنا.”
بقلم صاحبة الرداء الأحمر
“حين تتحدث الروح… ويصمت الجمال.”
رأي زوين:
الظواهر الجماهيرية ليست دائمًا بريئة،
والمجتمع الذي يركض خلف كل “ترند” دون وعي،
يفقد ببطء قدرته على التمييز بين الفن والفتنة، وبين الجمال والجنون.
الوعي هو الموضة الوحيدة التي لا تبلى.








