من علاجٍ للسكري إلى موضة تجميلية تغيّر شكل الجسد… والعقل.
في البدء، كانت إبرة صغيرة تُحقَن تحت الجلد لمرضى السكري من النوع الثاني. هدفها تنظيم سكر الدم عبر مادة تُسمّى semaglutide، لكن العالم لم يحتج أكثر من بضع منشورات من المشاهير حتى تتحوّل هذه الإبرة إلى “عصا سحرية” للجمال السريع. هكذا، وُلد ترند Ozempic، ثم تبعته أسماء تجارية أخرى مثل Wegovy وMounjaro، وصار العالم يحقن نفسه، لا ليتعافى… بل ليختفي نصفه.
حين صار الطب أداة تجميلية.
الدراسات الطبية تقول بوضوح إن semaglutide يعمل على خفض الشهية عبر إبطاء حركة المعدة وزيادة الإحساس بالشبع، لكن استخدامه التجميلي ليس بلا ثمن. في تقرير صدر عن FDA عام 2025، ذُكر أن 38% من المستخدمين عانوا من اضطرابات في الجهاز الهضمي، وأن نسبة منهم ظهرت لديهم أعراض اكتئاب وهوس بالجسد بعد التوقف عن الحقن. إنه الجمال الذي لا يغيّر شكل الجسم فقط… بل كيمياء الدماغ أيضًا.
العلم نفسه حذّر: حين نربط الرضا عن النفس بإبرة، نصنع إدمانًا جديدًا، إدمانًا على الشعور بالتحكّم، لا على الوزن.
إبرة الغرور الجماعي٠
لم تعد المسألة عن “صحة” أو “عافية”، بل عن السباق على الكمال. إبرة اليوم صارت مثل الفلتر بالأمس: أداة لتصغير المسافة بين “أنا و“النسخة التي يريدها الجمهور”. إنه زمن النتيجة الفورية، حيث نريد جسدًا مثاليًا، وحياة جاهزة، وسعادة فورية… حتى لو كان الثمن هرموناتنا ونفسيّتنا.
مراكز التجميل تتسابق الآن لتسويق “حقن الأوزمبيك” كحل للوزن والمزاج والمظهر، وكأن الجمال أصبح مشروعًا طبّيًا لا علاقة له بالروح أو السلوك. يقول الطبيب البريطاني روبرت لانغستون في دراسة نشرتها مجلة Lancet:
“لم نشهد في تاريخ الطب موجة استخدام دواء خارج غرضه الأساسي بهذا الحجم، الجسد صار ميدان تجارب اجتماعية أكثر منه كيانًا بيولوجيًا.”
السوق الذي يبيع الوهم٠
تقدّر أرباح شركات الأدوية المنتجة لهذي الإبر بأكثر من 50 مليار دولار سنويًا، لكن السؤال ليس كم كسبت الشركات، بل كم خسر الناس من وعيهم. المؤثرات يروّجن الإبرة كـ”أسلوب حياة”، بينما آلاف النساء حول العالم يواجهن اضطرابات غذائية، وضعف في الكتلة العضلية، وتساقط شعر، واكتئاب بعد التوقف عن العلاج. تلك ليست أعراض جانبية… بل تحذيرات من واقعٍ يتغيّر فيه شكل الجسد أسرع من نضج العقل.
رسالة الرداء الأحمر.
“إبرة واحدة لا تغيّر العالم، لكنها تكشف أيّ نوع من العالم نحن فيه.”
ليس عيبًا أن نبحث عن الرشاقة، لكن العيب أن نبحث عنها دون أن نعرف لماذا. أن نحاول تصحيح الجسد بدل أن نصالحه. أن نُصغّر أنفسنا جسديًا، ونحن نتضخّم وهمًا. الجمال الحقيقي لا يُحقن، ولا يُقاس بالكيلوغرامات أو بالجرعات، بل بالتصالح، بالعافية، بالاتزان. والأنوثة التي تحتاج إلى إبرة لتثبت وجودها… هي أنوثة تاهت في الطريق.
بقلم صاحبة الرداء الأحمر؛
“حين تتحدث الروح… ويصمت الجمال.”








