Free Birth Society تحت المجهر: كيف تقود تعاليم “الطاقة” الأمهات إلى قرارات خطرة

في السنوات الأخيرة، ظهرت على الإنترنت حركة غريبة تتسلّل إلى عالم الأمومة تحت غطاء “الوعي” و“الطاقة” و“العودة إلى الطبيعة”. حركة تُقنع النساء بأن الولادة بلا أطباء هي الطريق “الأكثر حكمة”، وأن المستشفى “مكان للخوف”، وأن الجسد “يعرف كل شيء وحده”.

لكنّ خلف هذه العناوين الجميلة، تتخفّى قصص مؤلمة…

وقصص أخرى انتهت بمآسٍ كان يمكن تجنّبها.

هذا المقال ليس لإثارة الذعر، بل لتقديم صورة علميّة هادئة تساعد كل أم على التفريق بين الحقيقة… والوهم المغلّف بالروحانيات.

أولاً: ما هي حركة “الولادة الحرة” (Freebirth)؟

الولادة الحرة أو Freebirth تعني أن تختار المرأة أن تلد في المنزل دون وجود طبيب أو قابلة معتمدة أو أي مختص صحي.

قد تكون معها “مدربة ولادة” أو “مدربة طاقة”، أو قد تكون وحدها تمامًا.

هي تختلف تمامًا عن:

✔ الولادة المنزلية المخطّطة

التي تجري تحت إشراف:

قابلة مرخّصة متابعة طبية طوال الحمل خطة واضحة للنقل الفوري إلى المستشفى في حال ظهور أي طارئ

أمّا الولادة الحرة، فهي بلا أي إشراف طبي، مهما كانت ظروف الأم أو الجنين.

ثانيًا: كيف نشأت هذه الحركة؟ ومن يقودها؟

من أبرز الجهات التي تروّج لها عالميًا مجموعة تُدعى Free Birth Society، تقودها امرأتان من أمريكا الشمالية تقدّمان:

بودكاست بآلاف المتابعين دورات مدفوعة تصل إلى 300 – 12,000 دولار مجموعات مغلقة تشجّع النساء على الولادة بلا أطباء محتوى كثيف ضد المستشفيات والأطباء

عدد من التحقيقات الصحفية الدولية، أبرزها من جريدة الغارديان، وثّق حالات وفاة رُبطت بشكل مباشر بتعاليم هذه الحركة، خصوصًا عند نساء نُصحن بالبقاء في المنزل رغم وجود علامات خطر واضحة.

ثالثًا: لماذا تنجذب بعض النساء لهذه الفكرة؟

السبب ليس السذاجة، بل مشاعر إنسانية حقيقية:

1. تجارب سلبية سابقة في المستشفيات

نساء كثيرات شعرن بأنه تم تجاهل رأيهن أو التعامل معهن ببرود، أو اتخاذ قرارات دون شرح أو موافقة.

2. الخطاب الناعم والمُطمئن لمدرّبات “الطاقة”

لغة مليئة بكلمات مثل:

“الثقة”، “الذات”، “السيادة”، “العودة للطبيعة”،

وكلها تخاطب حنينًا داخليًا لدى كل أم.

3. البحث عن ولادة هادئة وغير مؤلمة

مفهوم “الولادة الهادئة” مغرٍ، لكن الهدوء لا يلغي خطورة الطوارئ الطبية المفاجئة.

4. تأثير السوشال ميديا

الأم تشاهد فيديوهات جميلة لنساء يلدن وسط الشموع والموسيقى الناعمة، لكنها لا تشاهد الفيديوهات التي تنتهي بنزيف… أو فقدان.

رابعًا: ماذا تقول الدراسات العلمية؟

الأبحاث حول مكان الولادة تقدّم صورة واضحة:

1. الولادة في المستشفى

هي الأقل خطرًا على حياة الجنين والأم، بحسب الجمعيات الطبية العالمية.

2. الولادة المنزلية المخطط لها مع قابلة

قد تكون خيارًا آمنًا فقط في الحالات منخفضة الخطورة، مع متابعة دقيقة.

3. الولادة الحرة بلا أطباء

هي الأعلى خطرًا، وتزيد احتمالات:

وفاة المولود الاختناق أثناء الولادة النزيف الحاد للأم تأخر التدخل في حالات الطوارئ

وتشير أبحاث من أوروبا وأمريكا إلى أن الولادات غير المشرفة (مثل freebirth) ترتبط بأعلى نسب وفيات مقارنة بباقي الخيارات.

فالولادة الطبيعية جميلة… نعم،

لكنّ الطبيعة لا ترحم حين تبدأ المضاعفات.

خامسًا: ما المشكلات الأخلاقية والنفسية في هذه الحركة؟

تستخدم الجماعات المروّجة للولادة الحرة شعارات مثالية:

“الثقة بالجسد”، “القوة الداخلية”، “الوعي الأنثوي”…

لكنّ خلف هذه العبارات توجد مشكلات عميقة:

1. تحميل الأم الذنب

إذا حدثت مأساة – وفاة طفل أو مضاعفات – يُقال للأم:

“هذه مسؤوليتك… هذا قرارك… عليكِ تقبّله”.

2. تشويه صورة الأطباء والطب الحديث

باعتبار المستشفى “مكانًا مخيفًا” و“التدخلات الطبية مؤامرة”.

3. استغلال الألم النفسي للأمهات

كثير من النساء المنضمّات لهذه الحركة مررن بتجارب مؤلمة في الولادة السابقة، فيتم استغلال الألم لا مداواته.

4. إقناع الأم بالعزلة

العائلة، الطبيب، حتى الصديقات… كلهم يُصنّفون كأصوات “سلبية” يجب الابتعاد عنها.

سادسًا: ما الفرق بين الدعم العاطفي… وبين اتخاذ قرار طبّي؟

يمكن للدولا أو مدربات الولادة تقديم دعم رائع:

طمأنينة تنفس مساج تقليل الخوف تحضير ذهني للولادة

لكنّ الدعم النفسي شيء، والقرار الطبي شيء آخر تمامًا.

لا يجوز لغير المختصين أن ينصحوا بـ:

تجاهل نزيف تجاهل ضعف حركة الجنين رفض الذهاب للمستشفى الولادة بلا متابعة خلال الحمل

هذه قرارات طبية، وليست “قرارات وعي”.

سابعًا: كيف تحمي الأم نفسها من المعلومات المغلوطة؟

تمييز المختص الحقيقي من “المحتوى اللطيف” المؤثر ليس طبيبًا، ومقطع إنستغرام ليس مرجعًا طبيًا. السؤال عن المؤهلات هل هذه المدربة قابلة مرخّصة؟ أم مدربة طاقة فقط؟ الاستماع لصوت الجسد، ولكن أيضًا لصوت العلم الغريزة لا تلغي وجود المخاطر. إنشاء خطة ولادة محترمة وآمنة يشترك فيها:

طبيب أو قابلة دولا للدعم النفسي خطة بديلة للطوارئ احترام لرغبات الأم هذه هي “الولادة الهادئة” الحقيقية.

تذكير النفس دائمًا: الأطباء ليسوا أعداء، والمستشفى ليس فخًا… بل مكان للتدخل عند اللحظات التي قد تصنع الفارق بين الحياة والموت.

ثامنًا: في النهاية… أين الحقيقة؟

الحقيقة بسيطة وواضحة:

لا يوجد تعارض بين ولادة هادئة… وولادة آمنة.

يمكن أن تكون التجربة روحانية، مشرقة، عميقة…

ولكن مع يد خبيرة قريبة، وعين تراقب صحة الأم والطفل.

الولادة ليست اختبارًا للشجاعة،

وليست رحلة لإثبات القوة،

وليست مساحة لإلغاء المستشفى باسم الروحانية.

الولادة…

هي لحظة الحياة ذاتها،

ولا تستحق أن تُترك للصدفة.

شارك المقال
Scroll to Top